ملتقى الفنانين و النقاد العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الفنانين و النقاد العرب

ثقافة الصورة و بهاء الكلمة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أماني علي فهمي
مشرف منتدى التصوير



عدد الرسائل : 20
العمر : 57
Localisation : egypt
Emploi : artist
تاريخ التسجيل : 23/02/2008

ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت Empty
مُساهمةموضوع: ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت   ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت Icon_minitimeالسبت أبريل 26, 2008 3:06 pm

ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت



( مانيه.. فى ذكرى رحيله )


ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت Manet-doroob
ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت 04-doroob


موكب فرح أم موكب جنازة .. كرنفال أم حداد ..
جمْع من زهور : الزنبق ، البنفسج ، السوسن ..
فل ، قرنفل ، ياسمين ..
ورد في كل ألوان الطيف ، سكن بيوتاً من بلّور .. تناسق بداخلها ، ليزداد تجمّلاً ، تبللت أوراقه المخملية بندى التفتح ، وتشربت سيقانه ماء الحياة لتهب الحياة داخل حيز الصمت .. غرفة مريض فى إحدى مصحات فرنسا ، حضرت تلك الزهور ببهائها لتصحبه .. آنسته فى وحدته ، شاركته الجدران والهواء ، فأخذت منه بعضاً من الألم وأعطته بعضاً من نقائها..
صيف عام 1880 ، إدوار مانيه يقطن ( بيلفو ) إحدى ضواحي باريس بعيداً عن صخب المدينة .. بيت هادئ ملحقة به حديقة ، إستأجره عملاً بنصائح أطباءه المعالجين ، عاجزاً عن الحركة بعد أن داهمه الروماتيزم مبكراً بشراسته .. فأقعده جسداًً

Édouard Manet إدوار مانيه (23 يناير 1832 - 30 أبريل 1883) المصور الفرنسي الأشهر ، حجر زاوية وعلامة فارقة على المنحنى التحولي الأهم في تاريخ فن التصوير الأوربي ، بداية لخيط تعاظم طولاً حتى يومنا هذا اطلق عليه فيما بعد ( الحداثة ) ، مانيه هو أحد مشاغبي الفن فى القرن التاسع عشر، عرفته الشوارع الباريسية وعرفها جيداً ، أشربته جنون ليلها المضيئ بأنوار الحانات والمسارح ، فرسمه لوحات تفوح بعطر النساء الرقيقات وتتأنق بقبعات رجال البرجوازية المتمدنين .. الحياة الباريسية العصرية المرصعة بأحجار ثقافتها الحديثة ، إنغمس فيها ، رصدها ، وكان أحد أوجه بللورتها الساحرة التى تحوي فى أوجهها الأخرى رموزاً أدبية مثل بودلير ، مالرميه وإميل زولا ..
بعد رحلة فنية ليست بالمديدة لكنها مكثفة فناً وأحداثاً وأصدقاء ، رقد مانيه منهكاً مهَدََداً ببتر ساقه ، ما كان عليه إلا أن يستسلم .. ويطول إستسلامه ، ويقنع بما منحه له الأصدقاء الزائرين من دفء وأمنيات بالتعافي ، إستقبلهم فى مشفاه ، محبين .. قادمين .. راحلين ، و تاركين أطيافهم …
سلامات ، قبلات ، عناق ، وحرارة حضور ..


والأهم .. زهور ..

زهور إرتسمت على أوراقها معالم حياتها وحياة مانيه :
الجمال .. النقاء .. العمر القصير ..


يغادر الجميع وتبقى الزهور تنير بحيرات ألوانه من جديد ، ترسم فى خياله قصائد أشعارها ، عبقها يجدد هواء زفراته وأنفاسه .. ربيعها يمحي خريفه .. وهو المتيّم بالجمال ..
كانت الوردات كمعشوقات مدللات ، لم يخذلهن ، لم يدع واحدة منهن لتضيع هباءاً .. كل وريقة فيهن كانت على موعد ولمسة ولون وخلود .. وهو المتعب الذى يتوعده الموت بلقاء قريب ، ولكن بوح الزهور كان الأهم ..كان الأقرب …. فى سمعه وبصره كان بوحاً يهمس ألواناً..
كم بدت بديعة أوراق الزهور والورود محتضنة بعضها البعض وسط نبض الألون التى تستشري برهافتها وخفتها لتتجاور وتمتزج ثم تتعانق …. نرى درجات وقورة من الأخضر الزرعي تلامس حيوية البرتقالي ، يبين إشعاع أصفر طاغٍ من بين حناياهما لتكتمل سيمفونية من إشراقات الحياة..
ثم تجول العين هناك لتلمح جمالاً يختزل أسرار البحر والسماء والمساء مجتمعين ، تشي بها زرقة من الألترامارين فوق خلفية ليلية داكنة .. يسحبنا الأزرق داخل ليل خلفيته ويغوض مبتعدًا بنا مستقلين قوارب أسراره ، تنعكس أطياف زرقته إلتماعات خاطفة على القنينة الكريستالية وماءها .. وفجأة يبذغ الأبيض ساطعاً فيضئ المشهد كبدر متشح بأقزاحه ..

أما البنفسجي الفاتح فيتسلل رقيقاً كما لم نرى رقة من قبل ، هامساً شاعراً فوق خلفية من نفس لونه .. حيياً يتوارى فيها أحيانا ، أثره يختلف كثيراً عن درجته ذاتها غامقة حيث يمتزج الجمال مع حزن عميق قد يحمل بين طياته آلام مانيه ..
في الجهة المقابلة نشتم عبير اللون الوردي يفوح ليطغى على أي لون آخر ، أنوثته ترقق القلوب القاسية وتندي المشاعر الذابلة.. هو نعمة الخالق على بني البشر ….

الأحمر تواجد ولكن بقدر ضئيل يتناسب مع رجل فى محنة مانيه ..
أما الأبيض فكان بالنسبة للوحات فجرها ، بكارتها ، تباشير حلمها .. الأبيض كذرات هواء تنفستها ، كحبات لؤلؤ تجمّلت بها .. الأبيض ذو شفافية يعكس ألواناً وأطيافاً.. مشوب بخيوط قزحية متناثر فى أنحاء اللوحات وفى وسطها وعلى أطرافها ، عاشق لأصابع مانيه تصوغه كما لم يصاغ من قبل ..

وصال الأبيض مع الألوان خلق عشرات الدرجات اللونية الموحية بملامس متنوعة بين قطنية هشة إلى رقيقة حادة ، إلى لينة حية ، وكلها تفصح عن أصالة جنسيتها التأثيرية ، ولقد برع مانيه فى إستخدام درجات الأبيض ( وكذلك الأسود ) بتمكن ملحوظ ، وضعه بكثافة ونقاء وجاءت لمسته كالبصمة محققاً قدر كبير من الإمتاع البصري للرائي ، ربما لم يتذوق كانفاس التصوير على مر تاريخه لمسات فياضة بالحيوية كالتى عرفها مع لمسات ورشقات وتلاحقات فرشاة هذا الفنان .. للأبيض والأسود ، قيمة جمالية تنشأ من تباينهما .. وبحسه الأنيق ، أكثر مانيه من وضعهما متجاورين وفى مساحات كبيرة مؤكداً على أقصى حالات النصوع لكل منهما ، وأيضاً أقصى حالات التناقض .
جاءت لوحات الزهور لمانيه فى مساحات صغيرة تناسب رقدته فى الفراش ومقدرته التى كانت آخذة فى التضاءل ، أكبرها جاءت فى مساحة 56 فى 46سم ، وأصغرها فى مساحة 26.5 فى 21سم .. بعضها إكتمل والبعض الآخر تُرك قبل الإكتمال، زهورٌ إرتسمت أعمالاً فنية وأخرى باتت على منضدة الحجرة .. وجميعها كانت آخر المودعين ..

لم يقدم مانيه لوحات الزهور إلا من أجل الزهور ، ربما تودداً لحسنها.. ربما إمتناناً لعطاءها ، أو إهداءاً من أجل لحظات السعادة التى منحتها له ، ولكن مع كل ميلاد ليوم جديد .. كانت تذبل ورقة من الورود ويخفت معها ضي من أضواء أمله فى الشفاء .. ترحل ساعة من الزمن وتسرق فى طياتها مساحة من عمره .. لقد أتم لحن زهوره بحب كبير وقت إنحدار القوى وفى أحرج لحظات عمره وأشدها مرارة ..

أحد عشرة ليلة مرت بعد إجراء عملية جراحية بُترت فيها ساقه اليسرى ..

وجاء الثلاثون من ابريل عام 1883

مات مانيه ..

وهل للموت بهجة..وهل للموت إستقبال..وهل للموت ورود..؟.. لا أحد يعلم

وكما جاءت لوحاته بارعة فى المزاوجة بين النقيضين ( الأبيض والأسود ) ، تشابكت بين أصابعه خيوط لمتناقضات عدة في فترة زمنية كانت حافلة بكل ألوان الحياة ، ولكن لم تمهله السنون وسط تلاحقها السريع كي يضع تحديدا نهائيا عن حقيقته وكنهه ، مات فى أواسط عمره ، فلم يكن بالصغير أو الكبير .. أنتج فنه فى أواسط الطريق بين الواقعية والتأثيرية فانتمى إلى الإتجاهين ، تردد فى مسلكه الحياتى بين أواسط البوهيمية والبرجوازية ..
وحتى عند موته ، جاءت لوحاته المودعة لتضعنا فى تأرجح شعوري كي نتساءل :
موكب فرح أم موكب جنازة .. كرنفال أم حداد …



ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت Flowers-copy-doroob


………..
أماني علي فهمي
art_amany@hotmail.com
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ست عشرة قنينة ورد في استقبال الموت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الفنانين و النقاد العرب :: منتدى التصوير-
انتقل الى: